22 مايو.. ذكرى معركة إيكنينت التكويت” التي وقعت قبل أكثر من مائة عام في ولاية أينشيري

واجه المستعمر الفرنسي خلال احتلاله للمناطق التي تعرف حاليا بموريتانيا مقاومة عسكرية باسلة، سطر المجاهدون فيها بطولات خالدة، أرقت مضاجع الفرنسيين و حرمتهم الأمن والطمأنينة و قتلت قائدهم كبولاني في معركة تجكجة البطولية في الثاني عشر من مايو 1905.

وضمن سجل المعارك الخالدة تأتي  معركة ” إكنينت التيكويت” التي وقعت قبل أزيد من مائة سنة خلال يوم 22 مايو 1908 على بعد 16 كلمتر جنوب شرق مدينة أكجوجت عاصمة ولاية أينشري.

موقع معركة ( إكنينت التيكويت)

موقع معركة ( إكنينت التيكويت)
وفي الصورة يظهر الدكتور والسياسي البارز: عبد السلام حرم. والإطار محمد الأمين عم ورجل الأعمال : الشيخ التجاني السيد
الإطار والإعلامي: محمود السيد

بداية القصة :

عندما عاد السيد ولد أكتوشني من أداء فريضة الحج أفتى بوجوب جهاد الكفار المحتلين و قرر مجاهدتهم، ورحل عن أهله في منطقة لكليتات في آدرار قاصدا ” أطار” لكونه مركزا من مراكز تنسيق العمليات الجهادية ضد الفرنسيين المحتلين.

و ما إن ذهب إلى أطار حتى علم بأن أحد رجالات قبيلة إيديشلي اشترى بندقية ” منبهية” ومعها مائة طلقة، في آدرار فعاد ليشتريها منه، وقرر العودة إلى أطار لجهاد الفرنسيين.

صورة لرجال مغربيين. وتظهر فبها المنبهية وهي نوع من البنادق وهي بندقية سميت بهذا الاسم لأنها صنعت في مصنع للأسلحة بفاس فترة وزير الحربية المغربي المهدي المنبهي ما بين سنتي 1894 و1908 فسميت باسمه
صورة لرجال مغاربة. وتظهر فبها المنبهية وهي نوع من البنادق وهي بندقية سميت بهذا الاسم لأنها صنعت في مصنع للأسلحة بفاس فترة وزير الحربية المغربي المهدي المنبهي ما بين سنتي 1894 و1908 فسميت باسمه

و عندما قرر العودة إلى أطار جاءته جماعة من من مريديه و أنصاره من قبائل أينشري و آدرار لمبايعته، لكنه رفض قائلا لهم ” لن أضع أحدا في ذمتي”.

وذهب السيد ولد أكتوشني ومعه الشريف سيدي أحمد بن مولاي البشير، و ابن أخ له إضافة إلى تلميذين آخرين من تلامذته، والتحق بهم بعض المجاهدين الآخرين.

والتقت هذه الجماعة في الطريق بحوالي خمسين مجاهدا من تلامذة الشيخ ماء العينين بقيادة عبد الله الله بن باريك الجكني قرب مركز أكجوجت.

وبعد دراسة لأماكن تواجد المستعمر الفرنسي قرروا غزو مركز أكجوجت الذي أسسه المحتل الفرنسي قبل ذاك بأربعة أشهر في يناير 1908. و تقيم به حامية فرنسية، غير أنهم اكتشفوا وجود رتل من الفرنسيين جنوب شرق مركز أكجوجت وهو المكان الذي سيكون ساحة المعركة.

يقول المؤرخ الكبير الطالب أخبار ولد الشيخ مامين في كتابه المميز “الشيخ ماء العينين، علماء وأمراء في مواجهة الاستعمار الأوربي” والذي اعتمدت في أغلب هذا التحقيق عليه، يقول :

يقول سداتي بن أحمد بن أييه نقلا عن والده الذي شارك في المعركة إن الفقيه السيد ولد أكتوشني كان قبل يوم من المعركة قد اتصل بالشيخ حسنا ولد الشيخ ماء العينين  الذي يتولى تأطير وقيادة العمليات ضد الحاميات الفرنسية الموجودة في منطقة انشيري ولما حان وقت صلاة الظهر قال السيد للشيخ حسنا : أنت إمام الجهاد وقد جئت لأصلي معك وأشارك في الجهاد.

N 19° 41′ 38.3″ W 14 ° 21′ 5.8 ” إحداثيات موقع المعركة غرب جنوبي أكجوجت

كان المجاهدون يراقبون المسالك والطرق المؤدية إلى الموقع العسكري في أكجوجت فرأو رتلا عسكريا يبتعد عن المعسكر جنوبا، إلا أن الرتل أشعر بالهجوم عن طريق اثنين من “الكوم” هما عبد الجليل ومحمد بن أعلي بونا.

وكانا يصطادان غير بعيد من الرتل، فرأتهما طليعة من المجاهدين عن بعد، فانبرى إليهما محمد بن الصفرة وسدد رمية نحو محمد بن أعلي بونا فهشمت قارورة كان يرفعها بيده ليشرب منها.

وهرب الاثنان إلى مفرزة الفرنسيين وأخبراها بهجوم المجاهدين الوشيك عليها.

معركة السيف والقلم

عند ماعاد ” الكوم” إلى الفرنسيين و أخبراهم  بوجود المجاهدين بالقرب منهم،  أمر القائد الفرنسي بإعداد التحصينات، والاستعداد.

بقايا سد التحصينات التي أقامها الفرنسيون لمواجهة المجاهدين
بقايا سد التحصينات التي أقامها الفرنسيون لمواجهة المجاهدين

وعند الظهر تمت مهاجمة الفرقة من قبل المجاهدين، إذ قرر المقدم عبد الله بن باريك الجكني الهجوم على الرتل.

صورة تخدم الموضوع

وتم الاقتحام بروح جهادية عالية بدءا بالخطوط الأمامية للفرقة الفرنسية حتى اختلطوا بها وصاروا يتقاتلون بالحراب والسيوف و بعد قتال ضار استشهد القائد ولم يلبث المجاهدون بعده أن تراجعوا تحت القصف المكثف من مدفع ” بتاسارت” الرشاش  الذي استمر ساعتين .

وانتهت المعركة بهزيمة المجاهدين رغم مناوشات متقطعة استمرت حتى غروب الشمس، وارتفعت الخسائر في صفوف المجاهدين، واستشهد ثمانية عشر منهم.

وكان الشيخ الفقيه السيد ابن أكتوشني قبل الهجوم على المعسكر الفرنسي قد ألقى خطبة حث فيها على الثبات والصبر على الجهاد في سبيل الله وبين ما أعد الله للشهداء من النعيم، وقد ألهب بخطبته مشاعر المجاهدين، الأمر الذي حدا بالمجاهد أعلي بن الخديم أن يقسم ألا يبيتن ليلته تلك إلا في الجنة.

لوحة الشرف للشهداء الأحياء :

_ العالم والشيخ السيد ولد أكتوشني العلوي.

– قائد الغزوة : عبد الله بن باريك الجكني.

– السالك ولد أييه من إيديشلي
– اعلي ولد أييه من إيديشلي
– سيدي بن آفليو من إيديشلي
– محمد سالم بن الدفيه.من إيديشلي
محمد بن أمباله المسلمي
– محمد بن محمذن ” من زوايا القبلة)
– العالم اللغوي محمد محمود بن أعمر الباركلاوي.
– أعلي بن الخديم الآكشاري.
– ولد سيدي بن عثمان العمني
– محمد الشيخ بن أزياد الغيلاني.
– محمد محمود بن عبد الباقي الإجيجبي.
– عبد القادر بن أحمد بن الطلبه العلوي نسبا السمدسدي سكنا.

– محمد عبد الله بن أحمد بن الطلبه العلوي نسبا السمسدي سكنا.

– محمد الأغظف بن البخاري القرعي .

– محمد السالك ولد محمدو ولد سيد أحمد أحمد السمدسدي

رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه :

وجرح العديد من المجاهدين من بينهم :
– سيدي أحمد بن مولاي البشير الشريف نسبا.
– أحمد محمود بن زين بن سيدي أحمد بن عبد الفتاح ” الداده” الحاجي.
– محمد فاضل بن عبد القادر بن الخرشي الحاجي.
– محمد عبد الله الملقب كنو ابن أحمد بن الخراشي من آل بارك الله.
– أحمد يعقوب بن سيدي محمد بن عبد الله من آل بارك الله.
– محمد أنفال بن أشفاغ الطاهر المجلسي.

وحسب رواية المجاهدين فقد وقعت خسائر في صفوف المعسكر الفرنسي حيث قتل ما يقرب من عشرة جنود وجرح العديد من بينهم ضابط صف فرنسي وتم قتل أكثر من عشرين جملا.

كما شارك في  المعركة أحمد بن أييه الذي شارك بعد ذلك في الكثير من  معارك المقاومة ضد المستعمر الفرنسي، وتقول بعض المصادر الفرنسية أنه قتل النقيب ديفرجال في معركة اطريفيات 1925.

كما شارك أيضا في المعركة سيدي ولد أييه الذي استشهد في معركة تنقرادة 1923.

وأخيرا وليس أخيرا عميد المجاهدين محمد ولد الصفرة الذي شارك في أغلب معارك المقاومة.

صورة نادرة لمحمد بن الصفرة الذي شارك في أغلب معارك المقاومة قبل وفاته 1981

خنساء موريتانيا :

ومن نوادر هذه المعركة أن سيدة تدعى خربش بنت الظلام، كان لها ولدان شاركا في هذه المعركة واستشهدا فيها ولما علمت باستشهادهما أمرت بإحضار الدف وشرعت تغني فرحا بما رزق الله به ولديها من شهادة في سبيل الله وتقول : ” أرجو من الله أن يشفعا لي يوم القيامة ” وهذا الشهيدان هما : السالك واعلي ابنا أييه الإيديشليان.
وهذا يشبه قصة الخنساء لما بلغها خبر استشهاد أبنائها الأربعة يوم القادسية فقالت : الحمد لله الذي شرفني بقتلهم و أرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته.

المعركة بعيون المحتل الفرنسي

ذكر الرائد جيليه GILLIER في روايته للمعركة : ( أن الملازم أوبرت كان في طريقه من ” أكجوجت” متجها إلى انواكل مع 48 من السنغاليين و 41 من “الكوم ” البيضان فهجوم على بعد 15 كلمتر إلى الجنوب من ” أكجوجت” من قبل فيلق من 90 رجلا من البيضان بينهم 25 من مريدي ماء العينين وانتهت المعركة العنيفة بعد نصف ساعة بفضل القتال بالحراب، وقتل منا ثلاثة سنغاليين وجرح رقيب أوربي جروح خفيفة كما جرح ثلاثة سنغاليين وستة من “الكوم” “البيضان ” وقتل سبعة جمال وجرح عشرون جملا، وترك البيضان في الميدان خمسة عشر جثة، وعشرة مدافع، وعشرة مدافع، وعشرة جمال، وأسيرا بين أيدينا ” … ومنذ ذلك الحين بدأ المنشقون يضيقون الحصار على الموقع الذي ازداد عدد البنادق فيه إلى 150 بندقية تحت قيادة النقيب بابلوه، ويستخدمون كل الوسائل لوقف قوافل المؤن والمناوبة” )انتهى.

لكن يجدر التنبيه إلى أن أغلب الباحثين والأكاديميين   مجمعين على حقد الضابط جيلييه Gillier في كتابه  التوغل في موريتانيا” La pénétration en Mauritanie: découverte, explorations, conquête ، على المجتمع الموريتاني و الافتراء عليهم بأشنع العبارات، وإنكار الحقائق التاريخية ومن كانت هذه صفته لا غرابة أن يقلل من خسائر قومه وينكر حقيقة الخسائر التي تكبدها المستعمر خلال هذه المعركة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى