سيح الشناقطة .. لازال يتحدث «بالحسانية»
جريدة عكاظ : منشور 2008
ما أن يقرع في مسامعك اسم “السيح” إلا وينصرف ذهنك إلى “الشناقطة” الذين يتمددون على المساحة العظمى من المنطقة . كثير من أهل المدينة المنورة بمن فيهم كبار السن ـ . لا يدركون من حياة الشناقطة شيئًا وإن عاشوا بينهم وجاوروهم في المسكن وشاركوهم في المأكل والمشرب. يختلفون عن المدينة في كل شيء .. في الأكل والشرب والملبس والعادات وفي الكلام واللغة والتعامل والتحاور وفي التناسب والتراحم وحتى في الفقه والعبادات . ما أن يقرع في مسامعك اسم “السيح” إلا وينصرف ذهنك إلى “الشناقطة” الذين يتمددون على المساحة العظمى من المنطقة . كثير من أهل المدينة المنورة بمن فيهم كبار السن ـ . لا يدركون من حياة الشناقطة شيئًا وإن عاشوا بينهم وجاوروهم في المسكن وشاركوهم في المأكل والمشرب. يختلفون عن المدينة في كل شيء .. في الأكل والشرب والملبس والعادات وفي الكلام واللغة والتعامل والتحاور وفي التناسب والتراحم وحتى في الفقه والعبادات .
أكثر ما أرهقنا في هذه الحلقة هو البحث عن المفتاح الذي يدخلنا إلى هذا العالم المحفوف بالغموض والانطواء.. نمشي بين الأزقة والطرقات فتتخطفنا أنظارهم لأننا غرباء في حيهم.. كلما سألنا أحدًا عن كبار الشناقطة ومشايخهم يلقيك بإجابته في عالم التيه؛ لدرجة أن شنقيطيًّا وصف لنا المكتب الذي يجلس فيه شيخ الشناقطة ومرجعهم فلما سرنا على وصفه قال لنا آخر “لا يوجد للشناقطة شيخ يتوحدون في المرجعية إليه أصلا “، كما سألنا الآخر عن ذلك فقال متورعًا ” أنا لا أعرف إلا أن أعبد الله “.. حتى أضاء لنا محمد سيد عمر الشنقيطي وأمين عبدالصمد الشنقيطي الطريق وغمرانا بكرمهما وتعاونهما.
أصول الشناقطة
يقول محمد سيد عمر الذي كان يشغل وظيفة مدير العلاقات العامة والإعلام بالخطوط السعودية بالمدينة أن أصولهم من إقليم شنقيط، وليس حصرًا على مدينة شنقيط بموريتانيا إذ كان هذا الإقليم في السابق بعد انتهاء دولة المرابطين والموحدين يطلق على الأجزاء الصحراوية الجنوبية من المغرب الجواني الذي يضم المملكة المغربية ودولة موريتانيا والصحراء الغربية ويخضع لحكم ملك المغرب ثم الاستعمار الفرنسي وبعد الاستقلال أصبح جزءًا من الجمهورية الموريتانية. وكل من يسكن هذا الجزء الصحراوي الذي يمتد من جنوب المغرب إلى نهر السنغال ينسب إلى قرية شنقيط ويدعى بـ” الشنقيطي” بالرغم من أن هذه القرية تسكنها قبيلة إيداوا علي (أولاد علي) .
3 فئات
الشناقطة في المدينة جنس من ثلاث فئات (سعوديون متجنسون، موريتانيون مقيمون، وإماراتيون بالتجنس) يشكل المقيمون منهم النسبة الكبرى من بين هذه الفئات.. لكنهم لا يرون فرقاً بين هذه الفئات فيما بينهم لأنهم ينظرون لقوة الترابط الاجتماعي فيما بينهم .
فما أن تحدث حالة طلاق لشنقيطي في الإمارات إلا ويأتي نبؤها بعد ساعات في السيح، وما أن يلزم آخر بدية مغلظة في موريتانيا إلا ويتساعد ذووه في المدينة في جمعها وسدادها.
هذه الصورة حكاها لنا مرافقنا في الجولة أمين عبد الصمد الذي كان بمثابة المفتاح للدخول إلى عالم الانطواء والغموض.
عادات فريدة
لا زال الشناقطة يحافظون على عاداتهم التي لا زالت قائمة في المجتمعات الصحراوية بالرغم من الاحتكاك بالمجتمعات الأصلية والوافدة بالمدينة المنورة على مدى القرون الماضية.. ومن أبرز تلك العادات أن بعضهم يخبئ العروس ليلة زفافها في بيت إحدى قريباتها، ويظل العريس يبحث عنها في البيوتات حتى يجدها ويعثر عليها.. عندها يحق له أن يدخل عليها .
ويقول أمين عبد الصمد ان هذه العادة لم يعد يتمسك بها إلا القلة من الشناقطة حيث اعتبر الآخرون أن ليلة الدخلة هي ليلة العرس لا ليلة العثور على الزوجة.
اللوح والفحم
ويتدارس الشناقطة الكتابة والقراءة بالطريقة البغدادية التقليدية ويحفظون القرآن مكتوبًا على قطعة من الخشب الأملس (اللوح) ويستخدمون للكتابة عليها أقلاما خشبية تغمر أطرافها في مزيج من الفحم المسحوق ونبات “البكاك” اللزج ليحافظ على الكتابة من الطمس والزوال.
إضافة إلى ذلك فإنهم يكتبون بالخط المغربي ويحفظون القرآن برواية ورش عن نافع لا برواية حفص عن عاصم المشهورة في الخليج ومصر والشام.
الدراعة والملحفة
ولا تحتاج لعمق فراسة وأنت تسير في المدينة لتميز الشناقطة عن غيرهم من الأجناس ، فغالبية رجالهم يرتدون الدراعة وهو لبس ملوك اليمن قديمًا ونساؤهم يرتدين الملحفة وهي قطعة قماش طويلة تلفها النساء على أجسادهن من الرأس وحتى القدم اعتقادًا منهن بأن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم كن يرتدينها . ومع ذلك فإن بعضهم الآخر تراجع عن التقيد بذلك مع زحف المدنية.
اللهجة الحسانية
نذكر أننا في جولتنا وقفنا عند مدرسة يتسلق إليها الأطفال عصرًا فجاء الحارس وأمسك بأحدهم فقال له “الله يرحم أبوك اطلسني” وبدأت هذه العبارة عالقة في ذهني وحين سألت عنها فقالوا اطلسني بمعنى اتركني.
ولما مررنا بإحدى حلقات الدرس لدى الشناقطة سمعنا كلمات لم نفهم منها شيئًا وبدأوا يطالعونا بضحكة، فقال لنا أحدهم أنتم تطالعون مشهدًا يحاكي الحفاظ على أصول اللغة العربية عندنا وتسمعون كلمات أصيلة عند العرب.. فقلت له كيف هي عربية وأنا ما فهمت منها كلمة. فقال هذه منظومات شعرية اسمها “القيفان” تهدف إلى الحفاظ على أصول اللغة.
والشناقطة هنا يتكلمون باللهجة الحسانية المنتشرة في بادية شنقيط وهم يولون جهدًا لإحيائها حيث أن أكثر من 85% من ألفاظها من كلمات القاموس التي كانت تستخدم لدى العرب في العصور الجاهلية وصدر الإسلام.
35 دكتورًا
هذه الملامح التي رصدناها في تعليمهم وحفظهم تسوغ تعيين 35 دكتوراً شنقيطيا في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، فبعد أن حظي الشناقطة بالاستقرار في المدينة وبدأت مؤسسات التعليم العام بالانتشار في المملكة التحق غالبيتهم بها سيما المتجنسون منهم وواصلوا دراساتهم العليا حتى عينوا أعضاء في هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية في تخصصات نظرية كالقراءات والفقه وأصوله والحديث وعلوم اللغة العربية.
ولا زالت الجامعة تحفظ رموزاً للعلم منهم الشيخ محمد أمين اليعقوبي الجكني مصنف كتاب “أضواء البيان” والدكتور محمد المختار الشنقيطي المدرس بالمسجد النبوي.
أصول الشناقطة
يقول محمد سيد عمر الذي كان يشغل وظيفة مدير العلاقات العامة والإعلام بالخطوط السعودية بالمدينة أن أصولهم من إقليم شنقيط، وليس حصرًا على مدينة شنقيط بموريتانيا إذ كان هذا الإقليم في السابق بعد انتهاء دولة المرابطين والموحدين يطلق على الأجزاء الصحراوية الجنوبية من المغرب الجواني الذي يضم المملكة المغربية ودولة موريتانيا والصحراء الغربية ويخضع لحكم ملك المغرب ثم الاستعمار الفرنسي وبعد الاستقلال أصبح جزءًا من الجمهورية الموريتانية. وكل من يسكن هذا الجزء الصحراوي الذي يمتد من جنوب المغرب إلى نهر السنغال ينسب إلى قرية شنقيط ويدعى بـ” الشنقيطي” بالرغم من أن هذه القرية تسكنها قبيلة إيداوا علي (أولاد علي) .
3 فئات
الشناقطة في المدينة جنس من ثلاث فئات (سعوديون متجنسون، موريتانيون مقيمون، وإماراتيون بالتجنس) يشكل المقيمون منهم النسبة الكبرى من بين هذه الفئات.. لكنهم لا يرون فرقاً بين هذه الفئات فيما بينهم لأنهم ينظرون لقوة الترابط الاجتماعي فيما بينهم .
فما أن تحدث حالة طلاق لشنقيطي في الإمارات إلا ويأتي نبؤها بعد ساعات في السيح، وما أن يلزم آخر بدية مغلظة في موريتانيا إلا ويتساعد ذووه في المدينة في جمعها وسدادها.
هذه الصورة حكاها لنا مرافقنا في الجولة أمين عبد الصمد الذي كان بمثابة المفتاح للدخول إلى عالم الانطواء والغموض.
عادات فريدة
لا زال الشناقطة يحافظون على عاداتهم التي لا زالت قائمة في المجتمعات الصحراوية بالرغم من الاحتكاك بالمجتمعات الأصلية والوافدة بالمدينة المنورة على مدى القرون الماضية.. ومن أبرز تلك العادات أن بعضهم يخبئ العروس ليلة زفافها في بيت إحدى قريباتها، ويظل العريس يبحث عنها في البيوتات حتى يجدها ويعثر عليها.. عندها يحق له أن يدخل عليها .
ويقول أمين عبد الصمد ان هذه العادة لم يعد يتمسك بها إلا القلة من الشناقطة حيث اعتبر الآخرون أن ليلة الدخلة هي ليلة العرس لا ليلة العثور على الزوجة.
اللوح والفحم
ويتدارس الشناقطة الكتابة والقراءة بالطريقة البغدادية التقليدية ويحفظون القرآن مكتوبًا على قطعة من الخشب الأملس (اللوح) ويستخدمون للكتابة عليها أقلاما خشبية تغمر أطرافها في مزيج من الفحم المسحوق ونبات “البكاك” اللزج ليحافظ على الكتابة من الطمس والزوال.
إضافة إلى ذلك فإنهم يكتبون بالخط المغربي ويحفظون القرآن برواية ورش عن نافع لا برواية حفص عن عاصم المشهورة في الخليج ومصر والشام.
الدراعة والملحفة
ولا تحتاج لعمق فراسة وأنت تسير في المدينة لتميز الشناقطة عن غيرهم من الأجناس ، فغالبية رجالهم يرتدون الدراعة وهو لبس ملوك اليمن قديمًا ونساؤهم يرتدين الملحفة وهي قطعة قماش طويلة تلفها النساء على أجسادهن من الرأس وحتى القدم اعتقادًا منهن بأن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم كن يرتدينها . ومع ذلك فإن بعضهم الآخر تراجع عن التقيد بذلك مع زحف المدنية.
اللهجة الحسانية
نذكر أننا في جولتنا وقفنا عند مدرسة يتسلق إليها الأطفال عصرًا فجاء الحارس وأمسك بأحدهم فقال له “الله يرحم أبوك اطلسني” وبدأت هذه العبارة عالقة في ذهني وحين سألت عنها فقالوا اطلسني بمعنى اتركني.
ولما مررنا بإحدى حلقات الدرس لدى الشناقطة سمعنا كلمات لم نفهم منها شيئًا وبدأوا يطالعونا بضحكة، فقال لنا أحدهم أنتم تطالعون مشهدًا يحاكي الحفاظ على أصول اللغة العربية عندنا وتسمعون كلمات أصيلة عند العرب.. فقلت له كيف هي عربية وأنا ما فهمت منها كلمة. فقال هذه منظومات شعرية اسمها “القيفان” تهدف إلى الحفاظ على أصول اللغة.
والشناقطة هنا يتكلمون باللهجة الحسانية المنتشرة في بادية شنقيط وهم يولون جهدًا لإحيائها حيث أن أكثر من 85% من ألفاظها من كلمات القاموس التي كانت تستخدم لدى العرب في العصور الجاهلية وصدر الإسلام.
35 دكتورًا
هذه الملامح التي رصدناها في تعليمهم وحفظهم تسوغ تعيين 35 دكتوراً شنقيطيا في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، فبعد أن حظي الشناقطة بالاستقرار في المدينة وبدأت مؤسسات التعليم العام بالانتشار في المملكة التحق غالبيتهم بها سيما المتجنسون منهم وواصلوا دراساتهم العليا حتى عينوا أعضاء في هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية في تخصصات نظرية كالقراءات والفقه وأصوله والحديث وعلوم اللغة العربية.
ولا زالت الجامعة تحفظ رموزاً للعلم منهم الشيخ محمد أمين اليعقوبي الجكني مصنف كتاب “أضواء البيان” والدكتور محمد المختار الشنقيطي المدرس بالمسجد النبوي.